موضوع تعبير: الإسراء والمعراج رحلة مباركة تتجاوز حدود الزمن والمكان
رحلة الإسراء والمعراج: معجزة إلهية ودروس مستفادة لكل مسلم

المقدمة:
من بين الأحداث العظيمة التي تجسّد المعجزات الإلهية في الإسلام، تبقى رحلة الإسراء والمعراج إحدى أروع القصص التي تربط الأرض بالسماء، وتجسد العظمة الإلهية التي لا تحدّها قوانين الطبيعة. هذه الرحلة لم تكن مجرد انتقال مادي من مكة إلى القدس، أو من الأرض إلى السماوات العلا، بل كانت تجربة روحانية عظيمة حملت في طياتها تكريمًا للنبي محمد ﷺ، ورسائل ربانية خالدة للأمة الإسلامية، فما قصة هذه الرحلة؟ وكيف كانت تفاصيلها؟
الموضوع:
1. بداية الرحلة: الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
في إحدى ليالي مكة المظلمة، وبينما كان النبي محمد ﷺ نائمًا في بيت أم هانئ بنت أبي طالب، جاءه جبريل عليه السلام يحمل إليه البُراق، دابة بيضاء، أسرع من الريح، لا تخطو إلا حيث ينتهي بصرها. ركب النبي ﷺ هذه الدابة المباركة، وانطلق برفقة جبريل في رحلة ليلية خارقة، عُرفت بـ الإسراء، من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس، في زمن لا يتجاوز طرفة عين.
عند وصوله إلى المسجد الأقصى، نزل النبي ﷺ ليجد هناك اجتماعًا عظيمًا لم يره من قبل، فقد اجتمع الأنبياء السابقون جميعًا لاستقباله. فقام بالصلاة بهم إمامًا، ليكون ذلك دلالة على وحدة الرسالات السماوية ووراثته لها جميعًا.
2. المعراج: الصعود إلى السماوات العلا
بعد الإسراء، بدأت المرحلة الثانية من الرحلة، وهي المعراج، حيث صعد النبي ﷺ من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا برفقة جبريل عليه السلام.
- عند السماء الأولى: التقى النبي ﷺ بسيدنا آدم عليه السلام، الذي رحّب به ورأى أرواح السعداء وأرواح الأشقياء.
- عند السماء الثانية: التقى بالنبيين عيسى عليه السلام ويحيى عليه السلام، فرحبا به وبشّراه بالخير.
- عند السماء الثالثة: التقى بسيدنا يوسف عليه السلام، الذي كان جماله يضيء الأفق.
- عند السماء الرابعة: التقى بسيدنا إدريس عليه السلام، ذلك النبي الذي رفعه الله مكانًا عاليًا.
- عند السماء الخامسة: التقى بسيدنا هارون عليه السلام، الكاهن العظيم لبني إسرائيل.
- عند السماء السادسة: التقى بسيدنا موسى عليه السلام، الذي بكى لأنه أدرك أن أمة النبي محمد ﷺ ستكون أكثر أتباعًا منه.
- عند السماء السابعة: وصل إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، الذي كان مستندًا إلى البيت المعمور، وهو المكان الذي يطوف حوله الملائكة كما يطوف المسلمون حول الكعبة.
ثم واصل النبي ﷺ رحلته حتى وصل إلى سدرة المنتهى، حيث شاهد من آيات الله الكبرى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. هناك، كُتب له أن يتلقى أعظم هدية للأمة الإسلامية: فُرضت عليه خمسون صلاة يوميًا، لكن بعد أن تضرع النبي إلى ربه، خُففت إلى خمس صلوات فقط، مع ثواب خمسين.
3. العودة إلى الأرض وردود الفعل
بعد أن أنهى النبي ﷺ هذه الرحلة العجيبة، عاد إلى مكة في نفس الليلة. وفي الصباح، أخبر قريشًا بما حدث، فكان رد فعلهم استهزاءً وسخرية، إذ لم يصدقوا كيف يمكن لشخص أن يقطع هذه المسافة في ليلة واحدة! بل ذهبوا إلى أبي بكر الصديق ليختبروه، فقال كلمته الشهيرة: “إن كان قد قال ذلك فقد صدق”، فاستحق بعدها لقب الصديق.
وحتى يثبت النبي ﷺ صدق روايته، وصف لهم بيت المقدس بدقة، وأخبرهم عن قافلة رأها في الطريق، فتحققوا من ذلك لاحقًا، فكانت دلائل واضحة على صدق كلامه.
في نهاية الموضوع:
الإسراء والمعراج لم تكن مجرد رحلة في المكان والزمان، بل كانت اختبارًا للإيمان، وتجربة عززت مكانة النبي محمد ﷺ، ورسّخت مفهوم الصلاة كصلة دائمة بين العبد وربه. هذه الرحلة لم تكن فقط للنبي، بل كانت للأمة الإسلامية كلها، تحمل في طياتها دروسًا عن الثبات، والإيمان، وأهمية التضرع إلى الله. اليوم، وبعد أكثر من ألف عام، لا يزال المسلمون يستلهمون من هذه الرحلة الصبر، والأمل، والإيمان بأن الله قادر على تغيير الأحوال وتكريم عباده المؤمنين بأعظم المعجزات.